
من جهتها، عقدت «الهيئة الوطنية للانتخابات» مؤتمرين صحافيَّين، أعلنت في الأول الاستجابة لملاحظات الرئيس، وفي الثاني إبطال الانتخابات في 19 دائرة انتخابية لوجود «أسباب جوهرية تحتّم إلغاءها، وسط تثبيت نجاح «القائمة الوطنية من أجل مصر»، التي كانت قد أعدّتها الأجهزة الأمنية مُسبقاً، ومنعت عملياً أيّ قائمة منافسة من خوض السباق معها، ووزّعت الدوائر بين أحزابها وفق مُحاصصة واضحة، سمحت بترشّح شخصيات من محافظات بعينها في محافظات أخرى لم يزوروها يوماً. ورغم أن نجاح القائمة الموحّدة بنسبة 5% فقط من أصوات الناخبين المقيّدين - وفق ما ينصّ عليه القانون - يعكس غياب أيّ تغيير فعلي في شكل البرلمان المتوقّع، اكتفت «الهيئة» بالدعوة إلى إعادة الاقتراع في الدوائر التي ثُبّتت مخالفاتها وجرى التقدّم بشأنها بشكاوى.
وتتردّد بقوة في الأوساط السياسية رواية مفادها أن تدخّل السيسي هدفَ إلى رفع نسبة المشاركة في المرحلة الثانية وفي جولة الإعادة للمرحلة الأولى، وذلك في محاولة لإظهار مسار انتخابي «حقيقي» عبر تحفيز المواطنين على المشاركة. غير أن المعطيات تشير إلى أن البرلمان سيأتي بالشكل الذي أرادته الأجهزة الأمنية، خالياً من أي معارضة جدّية، وبعدد محدود من المعارضين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، علماً أنه جرى في مرحلة الترشّح استبعاد أسماء بارزة، وتعريض مرشّحين لمضايقات مختلفة، كان أبرزها في دائرة إمبابة عندما أعلنت المرشّحة نشوى الديب انسحابها مع فتح صناديق الاقتراع بسبب منع مندوبيها من دخول اللجان الانتخابية.
وكان حزبا «الجبهة» و«مستقبل وطن»، ضخّا أموالاً كبيرة لحشد الناخبين من دون نتائج تُذكر، فيما فاز معظم مرشّحيهما من الجولة الأولى رغم الانتهاكات الموثّقة في بعض دوائرهم. وإذ تعادل نسبة الدوائر التي أُلغيت الانتخابات فيها، وهي 19 دائرة ضمن سبع محافظات، 27% من دوائر المرحلة الأولى، لم تُنشر التفاصيل حول المخالفات أو حتى نسب الإقبال، في وقت انتقل فيه الإعلام الذي كان يروّج لـ«إقبال كبير» و«إشراف قضائي كامل»، فجأة، إلى الدفاع عن قرارات الرئيس وإبراز الانتهاكات التي رُصدت عبر مواقع التواصل حصراً. كذلك، توسّعت الجهات التابعة للدولة في رصد الانتهاكات وتوثيقها بعد ساعات من حديث السيسي، لتبدو الانتخابات وكأنها «مزوّرة»، رغم التأكيد السابق على «نزاهتها» والإشراف القضائي عليها. كما تمّ توجيه وزارة الداخلية بعدم توقيف أي شخص نشر توثيقاً للانتهاكات، بعد أن كانت الحملات قد استهدفت بعض الناشطين.
وإذ يؤكّد مراقبون حدوث عمليات تزوير داخل الصناديق، وتلاعب بالأصوات وبمحاضر الفرز، وعدم تطابق بين بطاقات الاقتراع والأعداد المُعلنة - وهو ما شارك فيه عناصر إشراف وجهات أمنية بهدف فرض نجاح مرشّحين بأعينهم -، تُثار التساؤلات عن مدى نجاح محاولة السيسي لترميم الانتخابات، أو إمكانية لجوئه إلى حلّ البرلمان بعد انتخابه، بموجب صلاحياته الدستورية، وذلك في حال استمر الغضب الشعبي تجاه نوابه